شرف العبودية لله
الحمد لله رب العالمي والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله وأصحابه أجمعين.
من أراد أن يعلم وأن يقف على شرف العبودية لله لينظر إلى آيات من القرآن العظيم، أنتم تعلمون قصة الإسراء وتلك الرحلة العجيبة التي أسرى الله فيها برسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى بيت المقدس وتلا ذلك عروجه به إلى حيث لم يعرج أحد، في هذه الرحلة العجيبة، في هذا التقريب العظيم، وصف الله نبيه بوصف العبد: "سبحان الذي أسرى بعبده" ولم يختر له وصفا غيره، لم يقل سبحان الذي أسرى بنبيه ولا برسوله ولا بمحمد "سبحان الذي أسرى بعبده" لماذا يختار له هذا الوصف في تلك المقامات العالية؟ لنستشف منه عظم هذه المسألة.
قال ربنا سبحانه: "وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا" يصفه في مقام الدعوة إليه وفي مقام الرسالة، وفي مقام طلب الجماهير بالعبودية "وأنه لما قام عبد الله يدعوه..." في مقام القرب منه، في العروج، في مقام الدعوة إلى الله الذي هو أشرف المقامات، في مقام إنزال القرآن عليه وهو الاصطفاء، لما اصطفاه الله لإنزال الوحي عليه يقول: "تبارك الذي نزل الفرقان على عبده" فيصفه بالعبودية، لماذا؟ لأنك إذا بلغت مقام العبودية لله فهذا أشرف مقاماتك، لا مقام يعلو فوقه أبدا، وهذا ينبه إليه أيضا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم لما قال صلى الله عليه وسلم: "أحب أسمائكم إلى الله عبد الله وعبد الرحمن" لماذا كان هذان الاسمان أحب الأسماء إلى الله؟ معناه أن هذا الإسم أحب من اسم محمد وهو اسم نبيه صلى الله عليه وسلم "أحب الأسماء إلى الله" أو "أحب أسمائكم إلى الله عبد الله وعبد الرحمن" لماذا هذه الإضافة؟.. إضافة العبودية، ولذلك كان العلماء الذين يفهمون عن الله ويعقلون عنه يرون أن أشرف نسبهم وأحبها وأحسنها وأفضلها وأعظمها أن يقال له عبد الله.
قال القاضي عياض السبتي المغربي رحمة الله عليه:
ومما زادني شرفاً وعزا *** وكدت بأخمصي أطأ الـثريا
دخولي تحت قولك يا عبادي *** وأن صيَّرت أحمد لي نبيًا
صلى الله عليه وسلم
وقد خمسها بعضهم فقال:
إذا كان السماح إليك يعزى *** فحاشا بالذي قدمت أجزى
وذا فقري إليك أراه كنزًا *** ومما زادني شرفاً وعزًا
وكدت بأخمصي أطأ الثريا *** على مأمول رحمتك اعتمادي
دعاني للجراءة والتمادي *** وأطمعني الرجا بك لاعتقادي
دخولي تحت قولك يا عبادي *** وأن صيَّرت أحمد لي نبيًا
إذا علم هذا، الله عز وجل لما شوقنا إلى الدخول في زمرة العباد لم يتركنا هملا، وكل واحد يتصور كيف هو العبد، بل أخبرنا ووصف لنا عباده المرضي عنهم الذين كل من سلك سبيلهم وصل إلى ذلك المقام وهو قول الله تعالى: {وعباد الرحمن الذين يمشون على الارض هونا"، "وعباد الرحمن" من أراد أن يعرفهم ويعرف صفتهم وأخلاقهم ليستن بسنتهم، ويتبع سبيلهم هاهي مذكورة في القرآن "وعباد الرحمن الذين يمشون على الارض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما، والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما، والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما ، إنها ساءت مستقرا ومقاما، والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما، والذين لا يدعون مع الله إلها آخر، ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاف له العذاب ويخلد فيها مهانا إلا من تاب وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما، ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا، والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما، والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا، والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما، أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاما}.
نسأل الله أن يسلكنا في عباده الصالحين